الحوارالبترول

محمد البدري مفقود البارج أدمارين 12.. رجل حمل أسرته على كتفيه… فابتلعته أمواج البحر

في قلب السويس، حيث تتلاطم أمواج الحياة كما البحر، وُلد في الثالث والعشرين من ديسمبر عام 1989، رجلٌ نبيلُ الطبع، نقيُّ السريرة… اسمه محمد البدري أبو العطا. لم يكن مجرد ميلاد عادي، بل كان إيذانًا بقدوم إنسان صاغته الحياة على معاني الإخلاص ونكران الذات.

تخرج محمد من كلية هندسة البترول – قسم الحفر والاستكشاف – عام 2011، ومنذ لحظة تخرجه، حمل همّ العمل والاجتهاد فوق كتفيه، ليس لنفسه فقط، بل لعائلته، وأحبّته، ولكل من حوله.

  من جذور أصيلة

محمد هو الابن الوحيد للحاج البدري أبو العطا، الذي أفنى عمره في شركة مصر إيران للغزل والنسيج، ووالدته الفاضلة، التي كرّست حياتها للتربية والتعليم. من هذه الأسرة الكريمة، استمد محمد أخلاقه وقيمه. وقد نشأ وسط أربع شقيقات، كان لهن الأخ والسند، بل قام بتزويج ثلاث منهن، مقدمًا لهن دعمه دون تردد، في مشهد نادر من الرجولة التي لا تعرف إلا العطاء.

 

 زوج وأب… وعمود منزل لا يُعوّض

لم تكن تضحيات محمد محصورة في بيت أهله فقط، بل امتدت لتشمل بيته الصغير، حيث كان زوجًا مخلصًا لزوجته، خريجة كلية العلوم – جامعة السويس، وأبًا حنونًا لثلاثة أطفال: بدر (7 سنوات)، عمر (5 سنوات)، ومحمود (عام ونصف). كان محمد هو العائل الوحيد لأسرته، يحمل فوق كتفيه مسؤوليات تفوق قدرات أي إنسان، ويصنع من يومه حياة كريمة لكل من يحبهم.

  عطاء لا يُقاس… وتدين لا يُظهره ولكنه يُعاش

محمد شاب محب للحياة، مقبل عليها، بسيط الطباع، عميق الإيمان، نحسبه – ولا نزكي على الله أحدًا – من الذين يعملون في صمت ويتقون الله في كل ما يفعلون. لم يتأخر يومًا عن نجدة قريب أو غريب، وكان أول من يمد يده إذا وقع أحدهم في ضيق.

وفاءٌ لا حدود له: قصة ابن بارّ

لعل الجانب الأشد ألمًا وإنسانية في سيرة محمد، هو وفاؤه الخالص لوالده المريض، الذي يعاني منذ خمس سنوات من تليف الكبد، وازدادت آلامه بإصابته بالسرطان قبل عامين. لم يتخلَّ محمد لحظة، وظل يرافقه في جلسات الكيماوي، يدفع من دخله المحدود تكلفة العلاج والأشعة والتحاليل، وكان الطبيب الصامت، والسند الصامد في بيت تنهكه الأوجاع.

  شرف المهنة… وأمانة الروح

في عمله، كان محمد البدري مثالًا للمهندس المسؤول. يشهد له زملاؤه بالتفاني والانضباط وحب العمل. لم يكن ينظر للوظيفة كراتب، بل كأمانة. ويُروى عنه أنه قال ذات مرة لزملائه:

“إذا وقع حادث في الحفار، لن أغادره إلا بعد التأكد من سلامة كل من فيه، ولو اضطررت للبقاء وحدي وسط النيران.”

لم تكن مجرد كلمات، بل قسم حياة.

  حادث البارج أدمارين 12… ووجع لا ينطفئ

محمد البدري هو أحد المفقودين في حادث البارج البحري “أدمارين 12”. هذا الحادث لم يكن مجرد كارثة مهنية، بل جرح مفتوح في قلب السويس، وفي صدر وطن كامل. عمليات البحث عنه منذ أيام لم تكن بحثًا عن جثمان فقط، بل محاولة لإنقاذ ما تبقى من قلوب تنبض به، أب أنهكه المرض، وأم قلبها يحترق على فلذة كبدها، وزوجة معلقة ما بين الرجاء واليأس، وثلاثة أطفال لا يعرفون معنى الحياة بعد… سوى أنه “بابا راح ومارجعش

 

بقلم:  أحمد صالح : صديق محمد البدري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى