الحوارمصر

محمد فريد يكتب : شات جي بي تي .. السر اللي ما حدش بيحكي عنه

هل سبق وفكرت أن أداة ذكية تستخدمها يوميًا من الممكن أن تكون أحد أكبر الملوثين البيئيين حول العالم؟ نعم ، يبدو الأمر غريبًا، لكن خلف بريق شات جي بي تي ومنصات الذكاء الاصطناعي الأخرى يكمن وجه مظلم يهدد كوكبنا بشكل صامت وخطير.

محمد فريد يكتب : شات جي بي تي .. السر اللي ما حدش بيحكي عنه

شات جي بي تي ذلك المعين اللامتناهي للإجابة الفورية لا يعمل فقط عن طريق السحر الرقمي بل يقف وراءه جيش من الخوادم العملاقة التي تبتلع كمًا هائلًا من الطاقة ملايين المستخدمين يوجهون له أوامرهم يوميًا وخوادم ضخمة تعمل دون توقف لتوليد ردود ذكية في أقل من ثوان … لكن بأي ثمن بيئي ؟

بالنظر لأول مرة قد تبدو كمية التلوث الناتجة عن زيارة صفحة شات جي بي تي صغيرة فهي تقدر بـ1.59 جرام من ثاني أكسيد الكربون لكل زيارة لكن مع وجود 164 مليون مستخدم شهريا يصبح الأمر ضخمًا جدا إذ تتجاوز الانبعاثات الشهرية 260 ألف كيلوجرام من ثاني أكسيد الكربون أي تعادل ما تصدره 260 رحلة طيران بين نيويورك ولندن !! وليس شات جي بي تي وحده فجميع منصات الذكاء الاصطناعي ذات الاستخدام الواسع تساهم في هذه الأزمة بسبب كثافة العمليات الحسابية التي تحتاجها إجاباتها الذكية.

وراء كل تفاعل مع الذكاء الاصطناعي يوجد عالم ضخم من مراكز البيانات حيث تدار ملايين العمليات الحسابية في كل لحظة هذه المراكز تتطلب طاقة هائلة ليس فقط لتشغيل الخوادم، ولكن أيضًا لتبريدها المستمر لأن حرارة الخوادم تتطلب أنظمة تبريد معقدة تستهلك بدورها كميات كبيرة من الموارد.

الولايات المتحدة تستضيف أكثر من ثلث هذه المراكز، مما يجعلها تتحمل نصيبًا كبيرًا من البصمة الكربونية العالمية لهذه الصناعة. ومع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، قد يشهد العالم تضاعفًا في استهلاك الكهرباء بحلول عام 2026.

رغم الخطاب المتزايد حول حماية البيئة، فإن الجهود المبذولة من الشركات الكبرى تبدو وكأنها رقع تجميل للمشكلة الحقيقية. نعم، هناك محاولات لتحسين البرمجيات وابتكار أساليب تبريد صديقة، لكن الحقيقة أن هذه الخطوات صغيرة أمام حجم الأزمة.

الأمر يحتاج إلى تحرك جماعي وحقيقي، تشريعات صارمة، ووعي شعبي أكبر، لأن بدون ضغوط من المستخدمين، سيبقى التغيير حبيس الكلمات والجداول الزمنية غير الواقعية.

لحظة الصمت ونحن نشاهد شاشاتنا تضيء بالأجوبة السريعة والذكاء اللا محدود نتساءل هل ندرك فعلاً الثمن الذي ندفعه ؟ هل نقابل نبضات الذكاء الاصطناعي هذه بغياب الوعي بما نجهّزه من أعباء على كوكبنا ؟

الوقت لا ينتظر والكوكب يئن بصمت في خلفية معارك التقنية والتطور إذا لم نغير الآن فإن الذكاء الاصطناعي الذي ساعدنا على بناء المستقبل قد يكون ذاته أداة تدميرنا البيئي ونكون شهوداً على انهيار الأرض تحت ثقل أجهزتنا ؟ القرار في أيدينا والإجابة تكمن في كل نقرة وكل استهلاك للطاقة.

شات جي بي تي هو مجرد بداية ولكن إذا لم نوقظ ضميرنا البيئي فالمستقبل قد يحمل لنا مفاجآت قاسية لا نريدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى