
تعتبر مصر سبّاقة دائمًا في مختلف المجالات، ويرجع ذلك إلى تاريخها الطويل الممتد لآلاف السنين. فالحضارة الفرعونية العريقة هي المنبع الذي اقتبس منه العالم والتاريخ الإنساني علومًا وأساليب حياة؛ ويشهد على ذلك الآثار الشامخة: أهرامات الجيزة تلامس السماء بكل حنو، بينما تقبع المعابد في حضن الصحراء، مسجّلة أروع ما ابتكره العقل المصري من علوم وأسس هندسية وتقنية، ما زالت تُدرّس في كبرى المعاهد والأكاديميات العالمية حتى اليوم.
عماد حمدي منسي يكتب : المتحف المصري الكبير .. مصر تستلهم عصور النفط الأولى لتبني فجرها الجديد
تلك الآثار تبدو في قمة القوة والشموخ، لم تؤثر فيها عوامل الزمن، كاللؤلؤ المتوهج الذي يضيء العالم من حوله. إنها مشاهدٌ تبعث الرهبة في المكان عند زيارته، يسرح معها الخيال ويتوقف معها العقل عن التفكير؛ كيف وُجدت في زمنٍ لم يكن فيه العالم قد وصل إلى القمة التكنولوجية الحالية؟ إنها ببساطة الإرادة القوية للمصريين القدماء، الذين أبدعوا في شتى العلوم.
ومن بين تلك العلوم، يكشف لنا التاريخ عن استخدام قدماء المصريين للنفط ومشتقاته. فقد كان القار والبيتومين (“الزفت”) أحد المكونات الأساسية المستخدمة في عملية التحنيط للمساعدة على حفظ الجثث. ليس هذا فحسب؛ بل استُخدم البيتومين لعلاج بعض الأمراض الجلدية والروماتيزم والآلام المختلفة.
إضافة إلى ذلك، تشير الرسومات الموجودة على جدران المعابد إلى استخدام الزيت الخام كوقود للمصابيح، كما استعان المصريون بالبيتومين كمادة لاصقة في أعمال البناء. هذا الاستخدام المتقدم للمواد الهيدروكربونية جاء قبل اكتشاف النفط في العصر الحديث في منتصف القرن التاسع عشر (عام 1859)، مع حفر أول بئر نفطية في بنسلفانيا بالولايات المتحدة.
وها هم أحفاد الفراعنة يتحدثون عن أنفسهم من جديد بإرث تاريخي وحضاري ضخم، يتمثل في المتحف المصري الكبير. هذا الحدث العالمي الفريد من نوعه يُعد من أضخم المشروعات الثقافية في تاريخ مصر الحديث والتاريخ الإنساني على المستوى العالمي؛ حيث ينتظر افتتاحه السبت القادم 1 نوفمبر 2025 في مشهد من مشاهد الأمل والنور، يتزين بروح مصرية عالية الشموخ وكبيرة التحدي.
يقع المتحف المصري الكبير على بُعد بضعة مئات من الأمتار من أهرامات الجيزة. إنه يغطي مساحة 500.000 ألف متر مربع، وصُمم مبناه بحيث تتلاقى أشعة الشمس المنبعثة من قمم الأهرامات الثلاثة لتشكل الكتلة المخروطية للمتحف ذاته. والأهم، أنه سيضم 100.000 ألف قطعة أثرية، مما يجعله أكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة.
ويهدف المتحف إلى تعزيز مكانة مصر كوجهة سياحية ثقافية رائدة، وهو ما يؤكد عليه دومًا فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي في جميع خطاباته. ومن المتوقع أن يستقطب المتحف ملايين الزوار سنويًا، مما يسهم بشكل مباشر في توفير فرص عمل وتعزيز الاقتصاد الوطني.



